فصل: تفسير الآية رقم (64)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أُذِنَ لِلَّذِينِ يُقَاتِلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ‏.‏ وَالَّذِينَ هَاهُنَا رَدٌّ عَلَى الَّذِينَ يُقَاتَلُونَ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ‏}‏ إِنْ وَطَّنَا لَهُمْ فِي الْبِلَادِ، فَقَهَرُوا الْمُشْرِكِينَ وَغَلَبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ نَصَرْنَاهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَقَهَرُوا مُشْرِكِي مَكَّةَ، أَطَاعُوا اللَّهَ، فَأَقَامُوا الصَّلَاةَ بِحُدُودِهَا، وَآتَوُا الزَّكَاةَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَعْطَوْا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مَنْ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ ‏{‏وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ‏{‏وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَنَهَوْا عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِمَعَاصِيهِ، الَّذِي يُنْكِرُهُ أَهْلُ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ ‏{‏وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِلَّهِ آخِرُ أُمُورِ الْخَلْقِ، يَعْنِي أَنَّ إِلَيْهِ مَصِيرَهَا فِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا، وَالْعِقَابِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ الْأَشْيَبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الرَّازِّي، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ أَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ أَنَّهُمْ دَعَوْا إِلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَدْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَمَنْ نَهَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ فَقَدْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏42- 44‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُسَلِّيًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَنَالُهُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَحَاضًّا لَهُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا يَلْحَقُهُ مِنْهُمْ مَنِ السَّبِّ وَالتَّكْذِيبِ‏:‏ وَإِنْ يُكَذِّبْكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ عَلَى مَا آتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْبُرْهَانِ، وَمَا تَعِدُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، فَذَلِكَ سُنَّةُ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَ اللَّهِ الْمُشْرِكَةِ بِاللَّهِ وَمِنْهَاجُهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَلَا يَصُدُّنَكَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَذَابَ الْمُهِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَنَصْرِي إِيَّاكَ وَأَتْبَاعَكَ عَلَيْهِمْ آتِيهِمْ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، كَمَا أَتَى عَذَابِي عَلَى أَسْلَافِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بَعْدَ الْإِمْهَالِ إِلَى بُلُوغِ الْآجَالِ‏.‏ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْشٍ؛ قَوْمُ نُوحٍ، وَقَوْمُ عَادٍ وَثَمُودُ، وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ، وَقَوْمُ لُوطٍ، وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ، وَهُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ كَذَّبَ كُلُّ هَؤُلَاءِ رُسُلَهُمْ‏.‏ وَكُذِّبَ مُوسَى، فَقِيلَ‏:‏ وَكُذِّبَ مُوسَى، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ وَقَوْمُ مُوسَى، لِأَنَّ قَوْمَ مُوسَى بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتْ قَدِ اسْتَجَابَتْ لَهُ وَلَمْ تُكَذِّبْهُ، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ مِنَ الْقِبْطِ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِيهِمْ كَمَا وُلِدَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَأَمْهَلْتُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ، فَلَمْ أُعَاجِلْهُمْ بِالنِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ ‏(‏ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ أَحْلَلْتُ بِهِمُ الْعِقَابَ بَعْدَ الْإِمْلَاءِ ‏{‏فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي مَا كَانَ بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ وَتَنَكُّرِي لَهُمْ عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، أَلَمْ أُبَدِّلْهُمْ بِالْكَثْرَةِ قِلَّةً وَبِالْحَيَاةِ مَوْتًا وَهَلَاكًا وَبِالْعِمَارَةِ خَرَابًا‏؟‏ يَقُولُ‏:‏ فَكَذَلِكَ فِعْلِي بِمُكَذِّبِيكَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنْ أَمْلَيْتُ لَهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ، فَإِنِّي مُنْجِزُكَ وَعْدِي فِيهِمْ كَمَا أَنْجَزْتُ غَيْرَكَ مِنْ رُسُلِي وَعْدِي فِي أُمَمِهِمْ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ وَأَنْجَيْتُهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَمْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْتُ أَهْلَهَا وَهُمْ ظَالِمُونَ؛ يَقُولُ‏:‏ وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبَدَ، وَيَعْصُونَ مَنْ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْصُوهُ‏.‏وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَبَادَ أَهْلُهَا وَخَلَتْ، وَخَوَتْ مِنْ سُكَّانِهَا، فَخَرُبَتْ وَتَدَاعَتْ، وَتَسَاقَطَتْ عَلَى عُرُوشِهَا؛ يَعْنِي عَلَى بِنَائِهَا وَسُقُوفِهَا‏.‏

كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ خَوَاؤُهَا‏:‏ خَرَابُهَا، وَعُرُوشُهَا‏:‏ سُقُوفُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏خَاوِيَةٌ‏)‏ قَالَ‏:‏ خَرِبَةٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏.‏ مَثَّلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى‏:‏ فَكَأَيْنٍ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا، وَمِنْ بِئْرٍ عَطَّلْنَاهَا، بِإِفْنَاءِ أَهْلِهَا وَهَلَاكِ وَارِدِيهَا، فَانْدَفَنَتْ وَتَعَطَّلَتْ، فَلَا وَارِدَةَ لَهَا وَلَا شَارِبَةَ مِنْهَا ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ رَفِيعٍ بِالصُّخُورِ وَالْجِصِّ، قَدْ خَلَا مِنْ سُكَّانِهِ، بِمَا أَذَقْنَا أَهْلَهُ مِنْ عَذَابِنَا بِسُوءِ فِعَالَهُمْ، فَبَادُوا وَبَقِيَ قُصُورُهُمُ الْمُشَيَّدَةُ خَالِيَةً مِنْهُمْ‏.‏ وَالْبِئْرُ وَالْقَصْرُ مَخْفُوضَانِ بِالْعَطْفِ عَلَى الْقَرْيَةِ‏.‏ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ يَقُولُ‏:‏ هُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى الْعُرُوشِ بِالْعَطْفِ عَلَيْهَا خَفْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ فِيهِمَا، عَلَى أَنَّ الْعُرُوشَ أَعَالِي الْبُيُوتِ، وَالْبِئْرُ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْقَصْرُ، لِأَنَّ الْقَرْيَةَ لَمْ تَخْوَ عَلَى الْقَصْرِ، وَلَكِنَّهُ أَتْبَعَ بَعْضَهُ بَعْضًا كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ‏}‏ فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ‏:‏ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ، فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا، وَلَهَا بِئْرٌ مُعَطَّلَةٌ وَقَصْرٍ مُشَيَّدٍ؛ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْبِئْرِ رَافِعُ وَلَا عَامِلُ فِيهَا، أَتْبَعَهَا فِي الْإِعْرَابِ الْعُرُوشَ، وَالْمَعْنَى مَا وُصِفَتْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَى حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الَّتِي قَدْ تُرِكَتْ‏.‏وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ لَا أَهْلَ لَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَطَّلَهَا أَهْلُهَا، تَرَكُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا أَهْلَ لَهَا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَقَصْرٌ مُجَصَّصٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏- حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُجَصَّصٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي غَالِبُ بْنُ فَائِدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُجَصَّصٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ ثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ‏.‏ قَالَ‏.‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بِرِقَانٍ، قَالَ‏:‏ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عِكْرِمَةَ، فَرَأَى حَائِطَ آجُرَّ مُصَهْرَجَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ‏:‏ هَذَا الْمَشِيدُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَامِّ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُجَصَّصُ‏.‏ قَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ وَالْجِصُّ بِالْمَدِينَةِ يُسَمَّى الشَّيْدَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِالْقِصَّةِ أَوِ الْفِضَّةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ بِالْقِصَّةِ يَعْنِي بِالْجِصِّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُجَصَّصٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُجَصَّصٌ، هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَقَصْرٌ رَفِيعٌ طَوِيلٌ‏.‏ *

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُهُ شَيَّدُوهُ وَحَصَّنُوهُ، فَهَلَكُوا وَتَرَكُوهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَصْرٍ مَشِيدٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ طَوِيلٌ‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِالْمُشِيدِ الْمُجَصَّصَ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْجِصُّ بِعَيْنِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ‏:‏

كَحَبَّةِ الْمَاءِ بَيْنَ الطَّيِّ وَالشِّيدِ

فَالْمَشِيدُ‏:‏ إِنَّمَا هُوَ مَفْعُولٌ مِنَ الشِّيدِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ‏:‏

وَتَيْمَـاءَ لَـمْ يَـتْرُكْ بِهَا جِـذْعَ نَخْلَةٍ *** وَلَا أُطُمَـا إِلَّا مَشِـيدًا بِجَـنْدَلِ

يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ إِلَّا بِالْبِنَاءِ بِالشَّيْدِ وَالْجَنْدَلِ‏.‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِالْمَشِيدِ الْمَرْفُوعُ بِنَاؤُهُ بِالشَّيْدِ، فَيَكُونُ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ عَنَى بِالْمُشِيدِ الطَّوِيلِ نَحْوًا بِذَلِكَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ‏:‏

شَـادَهُ مَرْمَـرًا وَجَلَّلَـهُ كِـلْسَـا *** فَلِلطَّـيْرِ فِـي ذُرَاهُ وُكُـورُ

وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْمُزَيَّنِ بِالشَّيْدِ مِنْ شَدَتُّهُ أُشِيدُهُ‏.‏ إِذَا زَيَّنْتُهُ بِهِ، وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِمَعْنَى مَنْ قَالَ‏:‏ مُجَصَّصٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَلَمْ يَسِيرُوا هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَالْجَاحِدُونَ قُدْرَتَهُ فِي الْبِلَادِ، فَيَنْظُرُوا إِلَى مُصَارِعِ ضُرَبَائِهِمْ مِنْ مُكَذِّبِي رُسُلِ اللَّهِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ، كَعَادٍ وَثَمُودٍ وَقَوْمِ لُوطٍ وَشُعَيْبٍ، وَأَوْطَانِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، فَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا وَيَعْتَبِرُوا بِهَا وَيَعْلَمُوا بِتَدَبُّرِهِمْ أَمْرَهَا وَأَمْرَ أَهْلِهَا سُنَّةَ اللَّهِ فِيمَنْ كَفَرَ وَعَبَدَ غَيْرَهُ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ، فَيُنِيبُوا مِنْ عُتُوِّهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَيَكُونُ لَهُمْ إِذَا تَدَبَّرُوا ذَلِكَ وَاعْتَبَرُوا بِهِ وَأَنَابُوا إِلَى الْحَقِّ ‏{‏قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا‏}‏ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا ‏{‏أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَوْ آذَانٌ تُصْغِي لِسَمَاعِ الْحَقِّ فَتَعِي ذَلِكَ وَتَمَيُّزُ بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ‏.‏وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى أَبْصَارُهُمْ أَنْ يُبْصِرُوا بِهَا الْأَشْخَاصَ وَيَرَوْهَا، بَلْ يُبْصِرُونَ ذَلِكَ بِأَبْصَارِهِمْ؛ وَلَكِنْ تَعْمَى قُلُوبُهُمُ الَّتِي فِي صُدُورِهِمْ عَنْ أَنْصَارِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَتِهِ‏.‏

وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى‏}‏ هَاءُ عِمَادٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏فَإِنَّهُ لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ‏"‏‏.‏وَقِيلَ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ‏}‏ وَالْقُلُوبُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الصُّدُورِ، تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ بِمَا تَعِدُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَلَى شِرْكِهِمْ بِهِ وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ الَّذِي وَعَدَكَ فِيهِمْ مِنْ إِحْلَالِ عَذَابِهِ وَنِقْمَتِهِ بِهِمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا‏.‏ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَوَفَّى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ، فَقَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏}‏ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ هِيَ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي ‏"‏الم تَنْـزِيلُ‏"‏ سَوَاءٌ، هُوَ هُوَ الْآيَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ مِقْدَارُ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلْفَ سَنَةٍ

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدُ الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَمِيرِ بْنِ نَهَارٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِمِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ وَمَا نِصْفُ يَوْمٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَوَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ بَلَى‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عِوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذِهِ أَيَّامُ الْآخِرَةِ‏.‏ وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلِفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا‏}‏‏.‏

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَجْهِ صَرْفِ الْكَلَامِ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ اسْتِعْجَالِ الَّذِينَ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ طُولِ الْيَوْمِ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ‏}‏ فِي أَنْ يُنْـزِلَ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا‏.‏ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ مِنْ عَذَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فِي الدُّنْيَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ مُسْتَعْجِلِيهِ الْعَذَابَ أَنَّهُ لَا يُعَجِّلُ، وَلَكِنَّهُ يُمْهِلُ إِلَى أَجَلٍ أَجَّلَهُ، وَأَنَّ الْبَطِيءَ عِنْدَهُمْ قَرِيبٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ مِقْدَارُ الْيَوْمِ عِنْدِي أَلِفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ أَيَّامِكُمْ، وَهُوَ عِنْدُكُمْ بَطِيءٌ وَهُوَ عِنْدِي قَرِيبٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَإِنَّ يَوْمًا مِنَ الثِّقَلِ وَمَا يَخَافُ كَأَلْفِ سَنَةٍ‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدِي أَشْبَهُ بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنِ اسْتِعْجَالِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَذَابِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ مَبْلَغِ قَدْرِ الْيَوْمِ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ‏}‏ فَأَخْبَرَ عَنْ إِمْلَائِهِ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمَةِ تَرْكَهُ مُعَاجَلَتَهُمْ بِالْعَذَابِ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏}‏ نَفْيَ الْعَجَلَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَوَصْفَهَا بِالْأَنَاةِ وَالِانْتِظَارِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَإِنَّ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ وَاحِدٌ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِنْ عَدَدِكُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِبَعِيدٍ، وَهُوَ عِنْدُكُمْ بَعِيدٌ، فَلِذَلِكَ لَا يَعْجَلُ بِعُقُوبَةِ مَنْ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ حَتَّى يَبْلُغَ غَايَةَ مُدَّتِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَمْهَلْتُهُمْ وَأَخَّرْتُ عَذَابَهُمْ، وَهُمْ بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ، وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفُونَ، وَذَلِكَ كَانَ ظُلْمُهُمُ الَّذِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَلَمْ أُعَجِّلْ بِعَذَابِهِمْ، ‏(‏ثُمَّ أَخَذْتُهَا‏)‏ يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ أَخَذْتُهَا بِالْعَذَابِ، فَعَذَّبْتُهَا فِي الدُّنْيَا بِإِحْلَالِ عُقُوبَتِنَا بِهِمْ، ‏{‏وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِلَيَّ مَصِيرُهُمْ أَيْضًا بَعْدَ هَلَاكِهِمْ، فَيُلْقُونَ مِنَ الْعَذَابِ حِينَئِذٍ مَا لَا انْقِطَاعَ لَهُ؛ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَكَذَلِكَ حَالُ مُسْتَعْجِلِيكَ بِالْعَذَابِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، وَإِنْ أَمْلَيْتُ لَهُمْ إِلَى آجَالِهِمُ الَّتِي أَجَّلْتُهَا لَهُمْ، فَإِنِّي آخُذُهُمْ بِالْعَذَابِ، فَقَاتِلْهُمْ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَصِيرُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمُوجِعُهُمْ إِذَنْ عُقُوبَةً عَلَى مَا قَدَّمُوا مِنْ آثَامِهِمْ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏49- 51‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكَ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، اتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِكُلِّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏}‏ أُنْذِرُكُمْ عِقَابَ اللَّهِ أَنْ يَنْـزِلَ بِكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابَهُ فِي الْآخِرَةِ أَنْ تَصِلُوهُ، ‏"‏مُبِين‏"‏ يَقُولُ‏:‏ أُبَيِّنُ لَكُمْ إِنْذَارِي ذَلِكَ وَأُظْهِرُهُ، لِتُنِيبُوا مِنْ شِرْكِكُمْ وَتَحْذَرُوا مَا أُنْذِرُكُمْ مِنْ ذَلِكَ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَعْجِيلُ الْعِقَابِ وَتَأْخِيرُهُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَنِي بِهِ، فَإِلَى اللَّهِ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ، وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ وَصَفَ نِذَارَتَهُ وَبِشَارَتَهُ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْبِشَارَةِ ذِكْرٌ، وَلَمَّا ذُكِرَتِ النِّذَارَةُ عَلَى عَمَلِ عُلِمَ أَنَّ الْبِشَارَةَ عَلَى خِلَافِهِ، فَقَالَ‏:‏ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَمِنْ غَيْرِكُمْ ‏(‏لَهُمْ مَغْفِرَةٌ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ سِتْرُ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ ‏{‏وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَرِزْقٌ حَسَنٌ فِي الْجَنَّةِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْجَنَّةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَالَّذِينَ عَمِلُوا فِي حُجَجِنَا فَصَدُّوا عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولِنَا، وَالْإِقْرَارِ بِكِتَابِنَا الَّذِي أَنْـزَلْنَاهُ، وَقَالَ فِي آيَاتِنَا فَأُدْخِلَتْ فِيهِ فِي كَمَا يُقَالُ‏:‏ سَعَى فُلَانٌ فِي أَمْرِ فُلَانٍ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مُعَاجِزِينَ‏)‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ مُشَاقِّينَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَهَا‏:‏ ‏(‏مُعَاجِزَيْنِ‏)‏ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، يَعْنِي بِأَلِفِ، وَقَالَ‏:‏ مُشَاقِّينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَ اللَّهَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَ اللَّهَ، وَلَنْ يُعْجِزُوهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ‏:‏ ‏{‏فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ‏}‏ بِالْأَلِفِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ‏.‏ وَأَمَّا بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ‏:‏ ‏"‏مُعَجِّزِينَ‏"‏ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَجَّزُوا النَّاسَ وَثَبَّطُوهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ قِرَاءَتِهِ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏مُعَجِّزِينَ‏"‏ قَالَ‏:‏ مُبَطِّئِينَ يُبَطِّئُونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَقَدْ عَاجَزَ اللَّهَ، وَمِنْ مُعَاجَزَةِ اللَّهِ التَّعْجِيزُ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ بِمَعَاصِيهِ وَخِلَافِ أَمْرِهِ، وَكَانَ مِنْ صِفَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُبَطِّئُونَ النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ، وَيُغَالَبُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَهُ وَيَغْلِبُونَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ لَهُ نَصْرَهُ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ مُعَاجَزَتَهُمُ اللَّهَ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الْمُعَاجَزَةُ فَإِنَّهَا الْمُفَاعَلَةُ مِنَ الْعَجْزِ، وَمَعْنَاهُ‏:‏ مُغَالَبَةُ اثْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا صَاحِبُهُ أَيُّهُمَا يُعْجِزُهُ فَيَغْلِبُهُ الْآخَرُ وَيَقْهَرُهُ‏.‏

وَأَمَّا التَّعْجِيزُ‏:‏ فَإِنَّهُ التَّضْعِيفُ وَهُوَ التَّفْعِيلُ مِنَ الْعَجْزِ‏.‏وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ هُمْ سُكَّانُ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلُهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ فِي بَعْضِ مَا يَتْلُوهُ مِمَّا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يُنَـزِّلُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاغْتَمَّ بِهِ، فَسَلَاهُ اللَّهُ مِمَّا بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَا جَلَسَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَادٍ مِنْ أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ كَثِيرٌ أَهْلُهُ، فَتَمَنَّى يَوْمَئِذٍ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ فَيَنْفِرُوا عَنْهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى‏}‏ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى‏}‏ أَلْقَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ كَلِمَتَيْنِ‏:‏ تِلْكَ الْغَرَانِقَةُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرَجَى، فَتَكَلَّمَ بِهَا ثُمَّ مَضَى فَقَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا، فَسَجَدَ فِي آخِرِ السُّورَةِ، وَسُجَّدَ الْقَوْمُ جَمِيعًا مَعَهُ، وَرَفَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تُرَابًا إِلَى جَبْهَتِهِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ‏.‏ فَرَضُوا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ الَّذِي يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَلَكِنَّ آلِهَتَنَا هَذِهِ تَشْفَعُ لَنَا عِنْدَهُ، إِذْ جَعَلْتَ لَهَا نَصِيبًا فَنَحْنُ مَعَكَ، قَالَا فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ السُّورَةَ؛ فَلَمَّا بَلَغَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ مَا جِئْتُكَ بِهَاتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ افْتَرَيْتُ عَلَى اللَّهِ، وَقُلْتُ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا‏}‏‏.‏ فَمَا زَالَ مَغْمُومًا مَهْمُومًا حَتَّى نَـزَلَتْ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَسَمِعَ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى عَشَائِرِهِمْ وَقَالُوا‏:‏ هُمْ أَحَبُّ إِلَيْنَا، فَوَجَدُوا الْقَوْمَ قَدِ ارْتَكَسُوا حِينَ نَسْخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ‏:‏ لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلِّي قَوْمِهِ عَنْهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَرَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، تَمَنَّى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ مَا يُقَارِبُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ‏.‏ وَكَانَ يَسُرُّهُ مَعَ حُبِّهِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُلَيِّنَ لَهُ بَعْضَ مَا غَلَّظَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمْ، حِينَ حَدَّثَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ، وَتَمَنَّى وَأَحَبَّهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى‏}‏ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى‏}‏ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ، لَمَّا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَتَمَنَّى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ قَوْمَهُ، تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَضَى، فَلَمَّا سَمِعْتُ قُرَيْشٌ ذَلِكَ فَرِحُوا وَسَرَّهُمْ، وَأَعْجَبَهُمْ مَا ذَكَرَ بِهِ آلِهَتَهُمْ، فَأَصَاخُوا لَهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ مُصَدِّقُونَ نَبِيَّهُمْ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ عَنْ رَبِّهِمْ، وَلَا يَتَّهِمُونَهُ عَلَى خَطَأٍ وَلَا وَهْمٍ وَلَا زَلَلٍ؛ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا وَخَتَمَ السُّورَةَ سَجَدَ فِيهَا، فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ بِسُجُودِ نَبِيِّهِمْ تَصْدِيقًا لِمَا جَاءَ بِهِ وَاتِّبَاعًا لِأَمْرِهِ، وَسَجَدَ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ إِلَّا سَجَدَ إِلَّا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ فَسَجَدَ عَلَيْهَا‏.‏ ثُمَّ تَفَرَّقَ النَّاسُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ سَرَّهُمْ مَا سَمِعُوا مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، يَقُولُونَ‏:‏ قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَقَدْ زَعَمَ فِيمَا يَتْلُو أَنَّهَا الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَأَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَضَى، وَبَلَغَتِ السَّجْدَةُ مَنْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ‏:‏ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ‏.‏ فَنَهَضَتْ مِنْهُمْ رِجَالٌ، وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ‏.‏ وَأَتَى جِبْرَائِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ مَاذَا صَنَعْتَ‏؟‏ لَقَدْ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ اللَّهِ، وَقُلْتَ مَا لَمْ يَقُلْ لَكَ، فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَخَافَ مِنَ اللَّهِ خَوْفًا كَبِيرًا فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ ‏{‏وَكَانَ بِهِ رَحِيمًا‏}‏ يُعَزِّيهِ وَيُخَفِّضُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ رَسُولٌ وَلَا نَبِيٌّ تَمَنَّى كَمَا تَمَنَّى وَلَا حَبَّ كَمَا أَحَبَّ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ قَدْ أَلْقَى فِي أُمْنِيَتِهِ، كَمَا أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ آيَاتِهِ، أَيْ فَأَنْتَ كَبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ الْحُزْنَ، وَأَمَّنَهُ مِنَ الَّذِي كَانَ يَخَافُ، وَنَسَخَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، أَنَّهَا الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَأَنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَضَى‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ حِينَ ذَكَرَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى‏}‏، أَيْ فَكَيْفَ تُمْنَعُ شَفَاعَةُ آلِهَتِكِمْ عِنْدَهُ؛ فَلَمَّا جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ مَا نَسَخَ مَا كَانَ الشَّيْطَانُ أَلْقَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، قَالَتْ قُرَيْشٌ‏:‏ نَدَمَ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا كَانَ مِنْ مَنْـزِلَةِ آلِهَتِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَغَيَّرَ ذَلِكَ وَجَاءَ بِغَيْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْحَرْفَانِ اللَّذَانِ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ قَدْ وَقَعَا فِي فَمِ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَازْدَادُوا شَرًّا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ دَاوُدَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ‏:‏ قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّمَا جُلَسَاؤُكَ عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ وَمَوْلَى بَنِي فُلَانٍ، فَلَوْ ذَكَرْتَ آلِهَتَنَا بِشَيْءٍ جَالَسْنَاكَ، فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ أَشْرَافُ الْعَرَبِ فَإِذَا رَأَوْا جُلَسَاءَكَ أَشْرَافَ قَوْمِكَ كَانَ أَرْغَبُ لَهُمْ فِيكَ، قَالَ‏:‏ فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى‏}‏ قَالَ‏:‏ فَأَجْرَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ‏:‏ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَشَفَاعَتُهُنَّ تُرْجَى، مِثْلَهُنَّ لَا يُنْسَى؛ قَالَ‏:‏ فَسَجَدَ النَّبِيُّ حِينَ قَرَأَهَا، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ؛ فَلَمَّا عَلِمَ الَّذِي أَجْرَى عَلَى لِسَانِهِ، كَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ قَالَتْ قُرَيْشٌ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا يُجَالِسُكَ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَضُعَفَاءُ النَّاسِ، فَلَوْ ذَكَرْتَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ لَجَالَسْنَاكَ فَإِنَّ النَّاسَ يَأْتُونَكَ مِنَ الْآفَاقِ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ النَّجْمِ؛ فَلَمَّا انْتَهَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى‏}‏ فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ‏:‏ وَهِيَ الْغَرَانِقَةُ الْعُلَى، وَشَفَاعَتُهُنَّ تُرْتَجَى؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، إِلَّا أَبَا أُحَيْحَةَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، أَخَذَ كَفَّا مِنْ تُرَابٍ وَسَجَدَ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ‏:‏ قَدْ آنَّ لِابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنْ يَذْكُرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ حَتَّى بَلَغَ الَّذِينَ بِالْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ أَسْلَمَتْ، فَاشْتَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏:‏ لَمَّا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى‏}‏ قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لِتُرْتَجَى‏.‏ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ إِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ آلِهَتَكُمْ قَبْلَ الْيَوْمِ بِخَيْرٍ، فَسَجَدَ الْمُشْرِكُونَ مَعَهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَى عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى‏}‏ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏ وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي، إِذْ نَـزَلَتْ عَلَيْهِ قِصَّةُ آلِهَةِ الْعَرَبِ، فَجَعَلَ يَتْلُوهَا؛ فَسَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا‏:‏ إِنَّا نَسْمَعُهُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ، فَدَنُوا مِنْهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْلُوهَا وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى‏}‏ أَلْقَى الشَّيْطَانُ‏:‏ إِنَّ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، مِنْهَا الشَّفَاعَةُ تُرْتَجَى‏.‏ فَجَعَلَ يَتْلُوهَا، فَنَـزَلَ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَسَخَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي آلِهَةِ الْعَرَبِ، فَجَعَلَ يَتْلُو اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَيُكْثِرُ تَرْدِيدَهَا‏.‏ فَسَمِعَ أَهْلُ مَكَّةَ نَبِيَّ اللَّهِ يَذْكُرُ آلِهَتَهُمْ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ، وَدَنَوْا يَسْتَمِعُونَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي تِلَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، مِنْهَا الشَّفَاعَةُ تُرْتَجَى، فَقَرَأَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَى وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ ثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ قَرَأَ عَلَيْهِمْ‏:‏ ‏{‏وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى‏}‏، فَلَمَّا بَلَغَ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى‏.‏ وَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَهُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَفَرِحُوا بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ‏.‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ‏}‏‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ وَلَمْ يُرْسَلْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٌ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، وَلَا نَبِيٌّ مُحَدِّثٌ لَيْسَ بِمُرْسَلٍ، إِلَّا إِذَا تَمَنَّى‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَمَنَّى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ التَّمَنِّي مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ مُقَارَبَةَ قَوْمِهِ فِي ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ بِبَعْضِ مَا يُحِبُّونَ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ مَحَبَّةً مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَنْ لَا تُذْكَرَ بِسُوءٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِذَا قَرَأَ وَتَلَا أَوْ حَدَّثَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏إِذَا تَمَنَّى‏)‏ قَالَ‏:‏ إِذَا قَالَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا إِذَا تَمَنَّى‏}‏ يَعْنِي بِالتَّمَنِّي‏:‏ التِّلَاوَةُ وَالْقِرَاءَةُ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْكَلَامِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ‏}‏ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُحْكِمُهَا، لَا شَكَّ أَنَّهَا آيَاتُ تَنْـزِيلِهِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي أَلْقَى فِيهِ الشَّيْطَانُ هُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ نَسَخَ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَبْطَلَهُ، ثُمَّ أَحْكَمَهُ بِنَسْخِهِ ذَلِكَ مِنْهُ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ‏:‏ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَلَا كِتَابَ اللَّهِ، وَقَرَأَ، أَوْ حَدَّثَ وَتَكَلَّمَ، أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي تَلَاهُ وَقَرَأَهُ، أَوْ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي حَدَّثَ وَتَكَلَّمَ ‏{‏فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى‏:‏ فَيُذْهِبُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَيُبْطِلُهُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ‏}‏ فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ‏}‏ نَسَخَ جِبْرِيلُ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏

ثُمَّ يُخَلِّصُ اللَّهُ آيَاتِ كِتَابِهِ مِنَ الْبَاطِلِ الَّذِي أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏ بِمَا يَحْدُثُ فِي خَلْقِهِ مِنْ حَدَثٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ ‏(‏حَكِيمٌ‏)‏ فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ وَصَرْفِهِ لَهُمْ فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ، كَيْ يَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَةِ نَبِيِّهِ مِنَ الْبَاطِلِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لِتُرْتَجَى» فِتْنَةً، يَقُولُ‏:‏ اخْتِبَارًا يَخْتَبِرُ بِهِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مِنَ النِّفَاقِ، وَذَلِكَ الشَّكُّ فِي صَدْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقِيقَةُ مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَمَنَّى أَنْ لَا يَعِيبَ اللَّهُ آلِهَةَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي تُدْعَى أَنَّ شَفَاعَتَهَا لِتُرْتَجَى وَإِنَّهَا لَلْغَرَانِيقُ الْعُلَى‏.‏ فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏(‏مِنْ سُلْطَانٍ‏)‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ لَمَّا أَلْقَى الشَّيْطَانُ مَا أَلْقَى، قَالَ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلِلَّذِينِ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، فَلَا تَلِينُ وَلَا تَرْعَوِي، وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمُشْرِكُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنَّ مُشْرِكِي قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ لَفِي خِلَافِ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ بَعِيدٌ مِنَ الْحَقِّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَيْ يَعْلَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللَّهِ أَنَّ الَّذِي أَنْـزَلَهُ اللَّهُ مِنْ آيَاتِهِ الَّتِي أَحْكَمَهَا لِرَسُولِهِ، وَنَسَخَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِيهِ، أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَيُصَدِّقُوا بِهِ‏.‏يَقُولُ‏:‏ فَتَخْضَعُ لِلْقُرْآنِ قُلُوبُهُمْ، وَتُذْعِنُ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِقْرَارِ بِمَا فِيهِ‏.‏

وَإِنَّ اللَّهَ لِمُرْشِدِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الْحَقِّ الْقَاصِدِ وَالْحَقِّ الْوَاضِحِ، بِنَسْخٍ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَةِ رَسُولِهِ، فَلَا يَضُرُّهُمْ كَيْدُ الشَّيْطَانِ، وَإِلْقَاؤُهُ الْبَاطِلُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْقُرْآنَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرَا بِاللَّهِ فِي شَكٍّ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ مِنْهُ مَنْ ذَكَرَ مَا هِيَ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ مِنْ ذِكْرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لِتُرْتَجَى»‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ‏}‏ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِبْلِيسٌ لَا يُخْرِجُ مِنْ قُلُوبِهِمْ زَادَهُمْ ضَلَالَةً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هِيَ مِنْ ذِكْرِ سُجُودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْمِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ فِي مِرْيَةٍ مِنْ سُجُودِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هِيَ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنَ الْقُرْآنِ‏.‏

وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ هِيَ كِنَايَةُ مَنْ ذَكَرَ الْقُرْآنَ الَّذِي أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ أَقْرَبُ مِنْهُ مِنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ‏}‏ وَالْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ ‏"‏أَنَّهُ‏"‏ مِنْ ذِكْرِ الْقُرْآنِ، فَإِلْحَاقُ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَفِي مِرْيَةٍ مِنْهُ‏}‏ بِالْهَاءِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏}‏ أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهَا بِمَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ ‏{‏مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ‏}‏ مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَا يَزَالُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْقُرْآنِ إِلَى أَنْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ ‏(‏بَغْتَةً‏)‏ وَهِيَ سَاعَةُ حَشْرِ النَّاسِ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ بَغْتَةً، يَقُولُ‏:‏ فَجْأَةً‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنَ الْأَزْدِ يُكْنَى أَبَا سَاسَانَ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ الضَّحَّاكَ، عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَذَابُ يَوْمٍ لَا لَيْلَةَ بَعْدَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا لَيْلَةَ لَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ يَوْمٌ عَقِيمٌ، أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إِلَى اللَّيْلِ، فَكَانَ لَهُمْ عَقِيمًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ ‏{‏عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏ يَوْمُ بَدْرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ يَوْمٌ لَيْسَ فِيهِ لَيْلَةٌ، لَمْ يُنَاظَرُوا إِلَى اللَّيْلِ‏.‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ يَوْمُ بَدْرٍ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو إِدْرِيسَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَوْمُ بَدْرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ‏.‏ ذَكَرَهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ‏.‏ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِأَنَّ يُقَالُ‏:‏ لَا يَزَالُونَ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً، أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ السَّاعَةَ هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الْعَقِيمُ أَيْضًا هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ تَكْرِيرِ ذِكْرِ السَّاعَةِ مَرَّتَيْنِ بِاخْتِلَافِ الْأَلِفَاظِ، وَذَلِكَ مَا لَا مَعْنَى لَهُ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِهِ أَصَحُّهُمَا مَعْنًى وَأَشْبَهُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ فِي الْخِطَابِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِي مَعْنَاهُ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ‏:‏ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً فَيَصِيرُوا إِلَى الْعَذَابِ الْعَقِيمِ، أَوْ يَأْتِيهِمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ لَهُ، فَلَا يُنْظَرُونَ فِيهِ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا يُؤَخَّرُوا فِيهِ إِلَى الْمَسَاءِ، لَكِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَبْلَ الْمَسَاءِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏56- 57‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ السُّلْطَانُ وَالْمُلْكُ إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا يُنَازِعُهُ يَوْمَئِذٍ مُنَازِعٌ، وَقَدْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مُلُوكٌ يُدْعَوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ وَلَا أَحَدَ يَوْمَئِذٍ يُدْعَى مَلِكًا سِوَاهُ ‏{‏يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَفْصِلُ بَيْنَ خَلْقِهِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ؛ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَبِمَنْ أَنْـزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ مِنْ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ وَحُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يَوْمَئِذٍ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ كِتَابِهِ وَتَنْـزِيلِهِ، وَقَالُوا‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّمَا هُوَ إِفْكٌ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، ‏{‏فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَالَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ مُهِينٌ، يَعْنِي‏:‏ عَذَابٌ مُذِلٌّ فِي جَهَنَّمَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَالَّذِينَ فَارَقُوا أَوْطَانَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فَتَرَكُوا ذَلِكَ فِي رِضَا اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا وَهُمْ كَذَلِكَ، لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَنَّاتِهِ رِزْقًا حَسَنًا‏.‏ يَعْنِي بِالْحُسْنِ الْكَرِيمَ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالرِّزْقِ الْحَسَنِ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ ‏{‏وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ مَنْ بَسَطَ فَضَلَهُ عَلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ وَأَكْرَمَهُمْ‏.‏ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ سَوَاءٌ الْمَقْتُولُ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ الْمَقْتُولُ أَفْضَلُ‏.‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعْلِمْهُمُ اسْتِوَاءَ أَمْرِ الْمَيِّتِ فِي سَبِيلِهِ وَالْمَقْتُولِ فِيهَا فِي الثَّوَابِ عِنْدَهُ‏.‏

وَقَدْ‏:‏ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ سِلَامَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ كَانَ فُضَالَةُ برودس أَمِيرًا عَلَى الْأَرْبَاعِ، فَخَرَجَ بِجِنَازَتَيْ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَتِيلٌ وَالْآخِرُ مُتَوَفَّى؛ فَرَأَى مَيْلَ النَّاسِ مَعَ جِنَازَةِ الْقَتِيلِ إِلَى حُفْرَتِهِ، فَقَالَ‏:‏ أَرَاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَمِيلُونَ مَعَ الْقَتِيلِ وَتُفَضِّلُونَهُ عَلَى أَخِيهِ الْمُتَوَفَّى‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ هَذَا الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏ فَقَالَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُبَالِي مِنْ أَيِّ حُفْرَتَيْهِمَا بُعِثْتُ‏!‏ اقْرَءُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَيُدْخِلَنَّ اللَّهُ الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْمَيِّتِ مِنْهُمْ ‏{‏مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ‏}‏ وَذَلِكَ الْمُدْخَلُ هُوَ الْجَنَّةُ ‏{‏وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ‏}‏ بِمَنْ يُهَاجِرُ فِي سَبِيلِهِ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ طَلَبَ الْغَنِيمَةِ أَوْ عَرْضٍ مِنْ عُرُوضِ الدُّنْيَا‏.‏

‏(‏حَلِيمٌ‏)‏ عَنْ عُصَاةِ خَلْقِهِ، بِتَرْكِهِ مُعَاجَلَتَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ لِهَذَا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا، وَلَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ يَعِدُهُمُ النَّصْرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ‏.‏

كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُمُ الْمُشْرِكُونَ بَغَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْصُرَهُ، وَقَالَ فِي الْقَصَاصِ أَيْضًا‏.‏ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَقُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ يَوْمَئِذٍ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَسَأَلَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ مِنْ أَجْلِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ، فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ، وَقَاتَلُوهُمْ فَبَغَوْا عَلَيْهِمْ، وَثَبَتَ الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ فَنُصِرُوا عَلَيْهِمْ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ‏}‏ بِأَنْ بُدِئَ بِالْقِتَالِ وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ، ‏{‏لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَذُو عَفْوٍ وَصَفْحٍ لِمَنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُ الظَّالِمُ بِحَقٍّ، غَفُورٌ لِمَا فَعَلَ بِبَادِئِهِ بِالظُّلْمِ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ غَيْرُ مُعَاقِبِهِ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ هَذَا النَّصْرُ الَّذِي أَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَاغِي، لِأَنِّي الْقَادِرُ عَلَى مَا أَشَاءُ‏.‏ فَمِنْ قُدْرَتِهِ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ يَقُولُ‏:‏ يُدْخِلُ مَا يَنْقُصُ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ فِي سَاعَاتِ النَّهَارِ، فَمَا نَقَصَ مِنْ هَذَا زَادَ فِي هَذَا‏.‏ ‏{‏وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ‏}‏ وَيُدْخِلُ مَا انْتَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ، فَمَا نَقَصَ مِنْ طُولِ هَذَا زَادَ فِي طُولِ هَذَا، وَبِالْقُدْرَةِ الَّتِي تَفْعَلُ ذَلِكَ يَنْصُرُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ ذُو سَمْعٍ لِمَا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلٍ؛ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، كُلُّ ذَلِكَ مَعَهُ بِمَرْأَى وَمَسْمَعٍ، وَهُوَ الْحَافِظُ لِكُلِّ ذَلِكَ، حَتَّى يُجَازَى جَمِيعَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا وَعَمِلُوا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ جَزَاءَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏62‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏ هَذَا الْفِعْلُ الَّذِي فَعَلْتُ مِنْ إِيلَاجِي اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وَإِيلَاجِي النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، لِأَنِّي أَنَا الْحَقُّ الَّذِي لَا مِثْلَ لِي وَلَا شَرِيكَ وَلَا نِدَّ، وَأَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى صَنْعَةِ شَيْءٍ، بَلْ هُوَ الْمَصْنُوعُ، يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَفَتُتْرَكُونَ أَيُّهَا الْجُهَّالُ عِبَادَةَ مَنْ مِنْهُ النَّفْعُ وَبِيَدِهِ الضُّرُّ وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَتَعْبُدُونَ الْبَاطِلَ الَّذِي لَا تَنْفَعُكُمْ عِبَادَتُهُ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ‏}‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏الْعَلِيُّ‏)‏ ذُو الْعُلُوِّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ‏.‏ ‏(‏الْكَبِيرُ‏)‏ يَعْنِي الْعَظِيمَ، الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمَ مِنْهُ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ‏}‏ مَا‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الشَّيْطَانُ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ‏:‏ ‏"‏تَدْعُونَ‏"‏ بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ؛ وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ غَيْرَ عَاصِمٍ بِالْيَاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، وَالْيَاءُ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏أَلَمْ تَرَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً‏}‏ يَعْنِي مَطَرًا ‏{‏فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً‏}‏ بِمَا يُنْبِتُ فِيهَا مِنَ النَّبَاتِ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ‏}‏ بِاسْتِخْرَاجِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ ابْتِدَاعِ مَا شَاءَ أَنْ يَبْتَدِعَهُ ‏(‏خَبِيرٌ‏)‏ بِمَا يَحْدُثُ عَنْ ذَلِكَ النَّبْتِ مِنَ الْحَبِّ، وَبِهِ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ‏}‏ فَرَفَعَ، وَقَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏أَلَمْ تَرَ‏)‏ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ الْخَبَرُ، كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللَّهَ يُنَـزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ؛ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

أَلَـمْ تَسْـأَلِ الـرِّبْعَ الْقَـدِيمَ فَيَنْطِـقُ *** وَهَـلْ تُخْـبِرَنْكَ الْيـَوْمَ بَيْـدَاءُ سَمْلَقُ

لِأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ قَدْ سَأَلْتُهُ فَنَطَقَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَهُ مُلْكُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ هُمْ عَبِيدُهُ وَمَمَالِيكُهُ وَخَلْقُهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِهِ وَهُمُ الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، الْحَمِيدُ عِنْدَ عِبَادِهِ فِي إِفْضَالِهِ عَلَيْهِمْ وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَكُمْ تَصْرِفُونَهُ فِيمَا أَرَدْتُمْ مِنْ حَوَائِجِكُمْ ‏{‏وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَسَخَّرَ لَكُمُ السُّفُنَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، يَعْنِي بِقُدْرَتِهِ، وَتَذْلِيلِهِ إِيَّاهَا لَكُمْ كَذَلِكَ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْفُلْكَ تَجْرِي‏}‏ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏وَالْفُلْكَ‏)‏ نُصْبًا، بِمَعْنَى سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ، وَ ‏"‏الفُلْكَ‏"‏ عَطْفًا عَلَى ‏"‏مَا‏"‏، وَعَلَى تَكْرِيرِ ‏"‏أَنْ‏"‏ وَأَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي‏.‏ وَرُوِيَ عَنِ الْأَعْرَجِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ رَفَعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالنَّصْبُ هُوَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ ‏{‏وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ بِقُدْرَتِهِ كَيْ لَا تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏.‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَنْ تَقَعَ‏)‏ أَنْ لَا تَقَعُ‏.‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ بِمَعْنَى‏:‏ أَنَّهُ بِهِمْ لَذُو رَأْفَةٌ وَرَحْمَةٌ، فَمِنْ رَأْفَتِهِ بِهِمْ وَرَحْمَتِهِ لَهُمْ أَمْسَكَ السَّمَاءَ أَنَّ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا وُصِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏66- 67‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهُ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعَمَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ أَجْسَامًا أَحْيَاءً بِحَيَاةٍ أَحْدَثَهَا فِيكُمْ، وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ هُوَ يُمِيتُكُمْ مِنْ بَعْدِ حَيَاتِكُمْ فَيُفْنِيكُمْ عِنْدَ مَجِيءِ آجَالِكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ عِنْدَ بَعَثَكُمْ لِقِيَامِ السَّاعَةِ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَجُحُودٌ لِنِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ خَلْقِهِ إِيَّاهُ، وَتَسْخِيرِهِ لَهُ مَا سَخَّرَ مِمَّا فِي الْأَرْضِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَتَرْكِهِ إِهْلَاكَهُ بِإِمْسَاكِهِ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بِعِبَادَتِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَتَرْكِهِ إِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ وَإِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِكُلِّ جَمَاعَةِ قَوْمٍ هِيَ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكَ، جَعَلْنَا مَأْلَفًا يَأْلَفُونَهُ وَمَكَانًا يَعْتَادُونَهُ لِعِبَادَتِي فِيهِ وَقَضَاءَ فَرَائِضِي، وَعَمَلًا يَلْزَمُونَهُ‏.‏ وَأَصِلُ الْمَنْسَكِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَوْضِعُ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَعْتَادُهُ الرَّجُلُ وَيَأْلَفُهُ لِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؛ يُقَالُ‏:‏ إِنَّ لِفُلَانٌ مَنْسَكًا يَعْتَادُهُ‏:‏ يُرَادُ مَكَانًا يَغْشَاهُ وَيَأْلَفُهُ لِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَنَاسِكُ الْحَجِّ بِذَلِكَ، لِتَرَدُّدِ النَّاسِ إِلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُعْمَلُ فِيهَا أَعْمَالُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ‏.‏ وَفِيهِ لُغَتَانِ‏:‏ ‏"‏مَنْسِكٌ‏"‏ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَذَلِكَ مِنْ لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَ‏"‏مَنْسَكٌ‏"‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالسِّينِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ مِنْ لُغَةِ أَسَدٍ‏.‏ وَقَدْ قُرِئَ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا‏}‏ أَيُّ الْمَنَاسِكِ عَنَى بِهِ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِهِ عِيدَهُمُ الَّذِي يَعْتَادُونَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ عِيدًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عَنَى بِهِ‏:‏ ذَبَحٌ يَذْبَحُونَهُ، وَدَمٌ يُهْرِيقُونَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِرَاقَةُ الدَّمِ بِمَكَّةَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏هُمْ نَاسِكُوهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِهْرَاقُ دِمَاءِ الْهَدْيِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏مَنْسَكًا‏)‏ قَالَ‏:‏ ذَبْحًا وَحَجًّا‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ إِرَاقَةَ الدَّمِ أَيَّامَ النَّحْرِ بِمِنًى، لِأَنَّ الْمَنَاسِكَ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ جَادِلُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ إِرَاقَةَ الدَّمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا جَادَلُوهُ فِي إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي هِيَ دِمَاءُ ذَبَائِحِ الْأَنْعَامِ بِمَا قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ‏.‏ غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ لَمْ تَكُنْ مَنَاسِكَ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ مَنَاسِكُ فَإِنَّمَا هِيَ هَدَايَا أَوْ ضَحَايَا‏.‏ وَلِذَلِكَ قُلْنَا‏:‏ عَنَى بِالْمَنْسَكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الذَّبْحَ الَّذِي هُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ فِي ذَبْحِكَ وَمَنْسَكِكَ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ أَتَقُولُونَ مَا قَتَلْتُمْ، وَلَا تَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ الَّتِي قَتَلَهَا اللَّهُ‏؟‏ فَأَنَّكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْهُمْ، لِأَنَّكَ مُحِقٌّ وَهُمْ مُبْطِلُونَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الذَّبْحُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ‏}‏ فَلَا تَتَحَامَ لَحْمَكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَادْعُ يَا مُحَمَّدُ مُنَازِعِيكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فِي نُسْكِكَ وَذَبْحِكَ إِلَى اتِّبَاعِ أَمْرِ رَبِّكَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَأْكُلُوا إِلَّا مَا ذَبَحُوهُ بَعْدَ اتِّبَاعِكَ وَبَعْدَ التَّصْدِيقِ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَتَجَنَّبُوا الذَّبْحَ لِلْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ وَتَبَرَّءُوا مِنْهَا، إِنَّكَ لِعُلَى طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ غَيْرُ زَائِلٍ عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِي نُسْكِكَ الَّذِي جَعَلَهُ لَكَ وَلِأُمَّتِكَ رَبُّكَ، وَهُمُ الضُّلَالُ عَلَى قَصْدِ السَّبِيلِ، لِمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَ اللَّهِ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَعِبَادَتِهِمُ الْآلِهَةَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏68- 69‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَإِنْ جَادَلَكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ فِي نُسُكِكَ، فَقُلْ‏:‏ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ وَنَعْمَلُ‏.‏

كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ جَادَلُوكَ‏)‏ قَالَ‏:‏ قَوْلُ أَهْلِ الشِّرْكِ‏:‏ أَمَّا مَا ذَبَحَ اللَّهُ بِيَمِينِهِ ‏{‏فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاللَّهُ يَقْضِي بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ تَخْتَلِفُونَ، فَتَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَمْ تَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ مَا فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ حَاكِمٌ بَيْنَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِجَمِيعِ مَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا، فَمَجَازٍ الْمُحْسِنَ مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابٍ، وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَيْسَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَلَبِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَبَدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، قَالَ‏:‏ عَلِمَ اللَّهُ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ، ثُمَّ كَتَبَهُ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مَيْسَرٌ، عَنْ أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بْنَ حَبِيبٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ عَلَى الْمَاءِ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَخَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ سَبَّحَ اللَّهَ وَمَجَّدَهُ أَلْفَ عَامٍ، قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ شَيْئًا مِنَ الْخَلْقِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ، فَقَالَ‏:‏ عَلِمَ اللَّهُ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا خَلْقُهُ عَامِلُونَ، فَقَالَ لِعِلْمِهِ‏:‏ كُنْ كِتَابًا‏.‏

وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏‏.‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ ذَلِكَ‏)‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ‏}‏ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏}‏ فَكَانَ إِلْحَاقُ ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْهُ بِمَا بَعُدَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ حُكْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ بَيْنَ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ كِتَابَ الْقَلَمِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا هُوَ كَائِنٌ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، يَعْنِي‏:‏ هَيِّنٌ‏.‏ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ‏}‏ أَقْرَبُ وَهُوَ لَهُ مُجَاوِرٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏ مُتَبَاعِدٌ مَعَ دُخُولِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ‏}‏ بَيْنَهُمَا، فَإِلْحَاقُهُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ أَوْلَى مَا وُجِدَ لِلْكَلَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ مَخْرَجٌ فِي التَّأْوِيلِ صَحِيحٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَعْبُدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مَنْ دُونِهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ حُجَّةَ مِنَ السَّمَاءِ فِي كُتَّابٍ مِنْ كُتُبِهِ الَّتِي أَنْـزَلَهَا إِلَى رُسُلِهِ، بِأَنَّهَا آلِهَةٌ تَصْلُحُ عِبَادَتُهَا، فَيَعْبُدُوهَا بِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُمْ فِي عِبَادَتِهَا، وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ أَنَّهَا آلِهَةٌ ‏{‏وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ هَذِهِ الْأَوْثَانَ مِنْ نَاصَرٍ يَنْصُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ عِقَابَهُ إِذَا أَرَادَ عِقَابَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِذَا تُتْلَى عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الْعَابِدِينَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ‏(‏آيَاتُنَا‏)‏ يَعْنِي‏:‏ آيَاتُ الْقُرْآنِ ‏(‏بَيِّنَاتٍ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَاضِحَاتٌ حُجَجُهَا وَأَدِلَّتُهَا فِيمَا أُنْـزِلَتْ فِيهِ ‏{‏تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ تَتَبَيَّنُ فِي وُجُوهِهِمْ مَا يُنْكِرُهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مِنْ تَغَيُّرِهَا، لِسَمَاعِهِمْ بِالْقُرْآنِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَكَادُونَ يَبْطِشُونَ بِالَّذِينِ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِشِدَّةِ تَكَرُّهِهِمْ أَنْ يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ وَيُتْلَى عَلَيْهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ‏(‏يَسْطُونَ‏)‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَكَادُونَ يَسْطُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَبْطِشُونَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَكَادُونَ يَسْطُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَقَعُونَ بِمَنْ ذَكَرَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا‏}‏ قَالَ‏:‏ يَكَادُونَ يَقَعُونَ بِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَكَادُونَ يَسْطُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَبْطِشُونَ‏:‏ كُفَّارُ قُرَيْشٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَكَادُونَ يَأْخُذُونَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ أَخْذًا‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أَفَأُنَبِّئُكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِأَكْرِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَكَرَّهُونَ قِرَاءَتَهُمُ الْقُرْآنَ عَلَيْكُمْ، هِيَ ‏(‏النَّارُ‏)‏ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا‏.‏ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا‏:‏ وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لَشَرُّ خَلْقِ اللَّهِ‏!‏ فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ هَذَا الْقَوْلَ بِشَرٍّ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّارَ‏.‏ وَرُفِعَتِ النَّارُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ لَا تَصْلُحُ أَنْ يَنْعَتَ بِهَا الشَّرَّ وَهُوَ نَكِرَةٌ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ مَرَرْتُ بِرَجُلَيْنِ‏:‏ أَخُوكَ وَأَبُوكَ، وَلَوْ كَانَتْ مَخْفُوضَةً كَانَ جَائِزًا؛ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَصْبًا لِلْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهَا فِي وَعْدِهَا وَأَنْتَ تَنْوِي بِهَا الِاتِّصَالَ بِمَا قَبِلَهَا، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَشْرَارُ الْخَلْقِ لَا مُحَمَّدُ وَأَصْحَابُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَبِئْسَ الْمَكَانُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏73- 74‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ جُعِلَ لِلَّهِ مَثَلٌ وَذِكْرٌ‏.‏ وَمَعْنَى ضُرِبَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ جُعِلَ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ضَرَبَ السُّلْطَانُ عَلَى النَّاسِ الْبَعْثَ، بِمَعْنَى‏:‏ جَعَلَ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى النَّصَارَى، بِمَعْنَى جَعَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ وَالْمَثَلُ‏:‏ الشَّبَهُ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ جُعِلَ لِي شِبْهٌ أَيُّهَا النَّاسُ، يَعْنِي بِالشَّبَهِ، وَالْمَثَلُ‏:‏ الْآلِهَةُ، يَقُولُ‏:‏ جُعِلَ لِي الْمُشْرِكُونَ وَالْأَصْنَامُ شِبْهًا، فَعَبَدُوهَا مَعِي، وَأَشْرَكُوهَا فِي عِبَادَتِي‏.‏ فَاسْتَمَعُوا لَهُ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ فَاسْتَمِعُوا حَالَ مَا مَثَّلُوهُ وَجَعَلُوهُ لِي فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ شَبَهًا، وَصِفَتُهُ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ جَمِيعَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ لَوْ جُمِعَتْ لَمْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا فِي صِغَرِهِ وَقِلَّتِهِ، لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تُطِيقُهُ، وَلَوِ اجْتَمَعَ لِخَلْقِهِ جَمِيعُهَا‏.‏وَالذُّبَابُ وَاحِدٌ، وَجَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ أَذِبَّةٌ وَفِي الْكَثِيرِ ذِبَّانٌ غُرَابٌ، يُجْمَعُ فِي الْقِلَّةِ أَغْرِبَةً، وَفِي الْكَثْرَةِ غِرْبَانٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنْ يَسْلُبِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ الذُّبَابُ شَيْئًا مِمَّا عَلَيْهَا مِنْ طِيبٍ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ شَيْءٍ لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَقْدِرُ الْآلِهَةُ أَنْ تَسْتَنْقِذَ ذَلِكَ مِنْهُ‏.‏

وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِالطَّالِبِ الْآلِهَةَ، وَبِالْمَطْلُوبِ الذُّبَابَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ضَعُفَ الطَّالِبُ‏}‏ قَالَ‏:‏ آلِهَتُهُمْ ‏(‏وَالْمَطْلُوبُ‏)‏‏:‏ الذُّبَابُ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏ضَعُفَ الطَّالِبُ‏}‏ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَى الصَّنَمِ حَاجَتُهُ، ‏(‏وَالْمَطْلُوبُ‏)‏ إِلَيْهِ الصَّنَمُ أَنْ يُعْطِيَ سَائِلَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ مَا سَأَلَهُ، يَقُولُ‏:‏ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ وَعَجَزَ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْتُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَعَجَزَ الطَّالِبُ وَهُوَ الْآلِهَةُ أَنْ تَسْتَنْقِذَ مِنَ الذُّبَابِ مَا سَلَبَهَا إِيَّاهُ، وَهُوَ الطِّيبُ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ وَالْمَطْلُوبُ‏:‏ الذُّبَابُ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ الْآلِهَةِ وَالذُّبَابِ، فَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَمَّا هُوَ بِهِ مُتَّصِلٌ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّا هُوَ عَنْهُ مُنْقَطِعٌ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الْآلِهَةِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ ضَعْفِهَا وَمَهَانَتِهَا، تَقْرِيعًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَبَدَتَهَا مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ كَيْفَ يَجْعَلُ مِثْلًا فِي الْعِبَادَةِ وَيُشْرِكُ فِيهَا مَعِي مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى خَلْقِ ذُبَابٍ، وَإِنْ أَخَذَ لَهُ الذُّبَابُ فَسَلَبَهُ شَيْئًا عَلَيْهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَلَا يَنْتَصِرَ، وَأَنَا الْخَالِقُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَالِكُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَالْمُحْيِي مَنْ أَرَدْتُ، وَالْمُمِيتُ مَا أَرَدْتُ وَمَنْ أَرَدْتُ، إِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا عَظَّمَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا الْآلِهَةَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي الْعِبَادَةِ حَقَّ عَظَمَتِهِ حِينَ أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ، فَلَمْ يُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ وَلَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ مَا عَرَفْتُ لِفُلَانٍ قَدْرَهُ إِذَا خَاطَبُوا بِذَلِكَ مَنْ قَصَّرَ بِحَقِّهِ، وَهُمْ يُرِيدُونَ تَعْظِيمَهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِآلِهَتِهِمْ، وَقَرَأَ ‏{‏ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ‏}‏ حِينَ يَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ مَا لَا يَنْتَصِفُ مِنَ الذُّبَابِ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لِقَوِيٌّ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ مِنْ صَغِيرٍ مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ وَكَبِيرِهِ، عَزِيزٌ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ مَنِيعٌ فِي مُلْكِهِ لَا يَقْدِرُ شَيْءٌ دُونَهُ أَنْ يَسْلُبَهُ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا، وَلَيْسَ كَآلِهَتِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ تَدَّعُونَ مَنْ دُونِهِ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى خَلْقِ ذُبَابٍ، وَلَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ الذُّبَابِ، إِذَا اسْتَلَبَهَا شَيْئًا ضَعْفًا وَمَهَانَةً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ اللَّهُ يَخْتَارُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا كَجِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ اللَّذَيْنِ كَانَا يُرْسِلُهُمَا إِلَى أَنْبِيَائِهِ، وَمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَمِنَ النَّاسِ، كَأَنْبِيَائِهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى عِبَادِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ‏.‏ وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ أَيْضًا رُسُلًا وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّمَا أُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ‏:‏ أَأُنْـزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ ذَلِكَ إِلَيَّ وَبِيَدِي دُونَ خَلْقِي، أَخْتَارُ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ لِلرِّسَالَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، بَصِيرٌ بِمَنْ يَخْتَارُهُ لِرِسَالَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ بَيْنَ أَيْدِي مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَمَا خَلْفَهُمْ، يَقُولُ‏:‏ وَيَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَ فَنَائِهِمْ ‏{‏وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ إِلَى اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ تَصِيرُ إِلَيْهِ أُمُورُ الدُّنْيَا، وَإِلَيْهِ تَعُودُ كَمَا كَانَ مِنْهُ الْبَدْءُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ‏(‏ارْكَعُوا‏)‏ لِلَّهِ فِي صَلَاتِكُمْ ‏(‏وَاسْجُدُوا‏)‏ لَهُ فِيهَا ‏{‏وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَذِلُّوا لِرَبِّكُمْ، وَاخْضَعُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ، الَّذِي أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِفِعْلِهِ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لِتُفْلِحُوا بِذَلِكَ، فَتُدْرِكُوا بِهِ طَلَبَاتِكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ‏{‏وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏.‏ وَجَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ‏}‏ كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ مَنْ أُمِرَ بِالْجِهَادِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَبِيلَتَانِ مِنْ قُرَيْشٍ مَخْزُومٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ صَدَقْتَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، قَالُوا‏:‏ وَذَلِكَ هُوَ حَقُّ الْجِهَادِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ‏}‏ لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ اعْمَلُوا بِالْحَقِّ، حَقَّ عَمَلِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ذَكَرَهُ عَنِ الضَّحَّاكِ بَعْضُ مَنْ فِي رِوَايَتِهِ نَظَرٌ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِهِ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنَ الْجِهَادِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَغْلَبُ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ جَاهَدْتُ فِي اللَّهِ، وَحَقُّ الْجِهَادِ‏:‏ هُوَ اسْتِفْرَاغُ الطَّاقَةِ فِيهِ‏.‏ قَوْلُهُ ‏{‏هُوَ اجْتَبَاكُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ هُوَ اخْتَارَكُمْ لِدِينِهِ، وَاصْطَفَاكُمْ لِحَرْبِ أَعْدَائِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ‏{‏هُوَ اجْتَبَاكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ هَدَاكُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ فِي الدِّينِ الَّذِي تَعَبَّدَكُمْ بِهِ مِنْ ضِيقٍ، لَا مَخْرَجَ لَكُمْ مِمَّا ابْتُلِيتُمْ بِهِ فِيهِ، بَلْ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ، فَجَعَلَ التَّوْبَةَ مِنْ بَعْضٍ مَخْرَجًا، وَالْكَفَّارَةَ مِنْ بَعْضٍ، وَالْقَصَّاصَ مِنْ بَعْضٍ، فَلَا ذَنْبَ يُذْنِبُ الْمُؤْمِنُ إِلَّا وَلَهُ مِنْهُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مَخْرَجٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ الْحَرَجُ‏:‏ الضِّيقُ، فَجَعَلَ اللَّهُ الْكَفَّارَاتِ مَخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ عَنْ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا هَاهُنَا مِنْ هُذَيْلٍ أَحَدٌ‏؟‏ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ مَا تَعُدُّونَ الْحَرَجَةَ فِيكُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الشَّيْءُ الضَّيِّقُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَهَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ أَنَا، فَقَالَ أَيْضًا‏:‏ مَا تَعُدُّونَ الْحَرَجَ، وَسَائِرَ الْحَدِيثِ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بِكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ، «عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ‏:‏ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قَالَ هُوَ الضِّيق»‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعَدَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ لِي أَبُو الْعَالِيَةِ‏:‏ أَتَدْرِي مَا الْحَرَجُ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ لَا أَدْرِي، قَالَ‏:‏ الضِّيقُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ ضِيقٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ بُنْدُقٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي خَلْدَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي أَبُو الْعَالِيَةِ‏:‏ هَلْ تَدْرِي مَا الْحَرَجُ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ لَا قَالَ‏:‏ الضِّيقُ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْكُمْ، لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ تَدْرُونَ مَا الْحَرَجُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الضِّيقُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ إِذَا تَعَاجَمَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَانْظُرُوا فِي الشِّعْرِ، فَإِنَّ الشِّعْرَ عَرَبِيٌّ، ثُمَّ دَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَعْرَابِيًّا، فَقَالَ‏:‏ مَا الْحَرَجُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الضِّيقُ‏.‏ قَالَ‏:‏ صَدَقْتَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ ضِيقٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ مِنْ ضِيقٍ فِي أَوْقَاتِ فُرُوضِكُمْ إِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَيَقَّنُوا مَحَلَّهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا فِي هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِذَا شَكَّ فِيهِ النَّاسُ، وَفِي الْحَجِّ إِذَا شَكُّوا فِي الْهِلَالِ، وَفِي الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى إِذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ وَأَشْبَاهُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَا جُعِلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ضِيقٍ، بَلْ وَسِعَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ضِيقٍ هُوَ وَاسِعٌ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْأَنْعَامِ ‏{‏فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضِلَّهُ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ صَدْرَهُ حَتَّى يَجْعَلَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ ضَيِّقًا، وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ ضِيقٍ، يَقُولُ‏:‏ جَعَلَ الدِّينَ وَاسِعًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ ضَيِّقًا‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ‏}‏ نَصَبَ مِلَّةَ بِمَعْنَى‏:‏ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، بَلْ وَسِعَهُ، كَمِلَّةِ أَبِيكُمْ، فَلَمَّا لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا الْكَافَ اتَّصَلَتْ بِالْفِعْلِ الَّذِي قَبْلَهَا فَنُصِبَتْ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ نَصْبُهَا أَنْ تَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِهَا، لِأَنَّ الْكَلَامَ قَبْلَهُ أَمْرٌ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَالْزَمُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ سَمَّاكُمْ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ يَقُولُ اللَّهُ سَمَّاكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا؛ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ اللَّهُ سَمَّاكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعَنَا‏:‏ إِبْرَاهِيمُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَقَالُوا هُوَ كِنَايَةُ مَنْ ذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَلََا تَرَى قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، ذُكِرَتْ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ جَمِيعًا، وَلَمْ نَسْمَعْ بِأُمَّةٍ ذُكِرَتْ إِلَّا بِالْإِيمَانِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يُسَمِّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مُسْلِمِينَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْـزِلَ مِنْ بَعْدِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا‏}‏ وَلَكِنَّ الَّذِي سَمَّانَا مُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلِ نُـزُولِ الْقُرْآنِ وَفِي الْقُرْآنِ اللَّهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ ‏(‏مِنْ قَبْلُ‏)‏ فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ مِنْ قَبْلِ نُـزُولِ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي نَـزَلَتْ قَبْلَهُ، وَفِي هَذَا يَقُولُ‏:‏ وَفِي هَذَا الْكِتَابِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏}‏ وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ ‏(‏مِنْ قَبْلُ‏)‏ قَالَ‏:‏ فِي الْكُتُبِ كُلِّهَا وَالذِّكْرِ ‏(‏وَفِي هَذَا‏)‏ يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَقَوْلُهُ ‏{‏لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ اجْتَبَاكُمُ اللَّهُ وَسَمَّاكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمِينَ، لِيَكُونَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ مَا أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَتَكُونُوا أَنْتُمْ شُهَدَاءَ حِينَئِذٍ عَلَى الرُّسُلِ أَجْمَعِينَ، أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا أُمَمَهُمْ مَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏}‏ قَالَ‏:‏ اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ‏{‏وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ‏}‏ بِأَنَّهُ بَلَّغَكُمْ ‏{‏وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ‏}‏ أَنَّ رُسُلَهُمْ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ‏.‏ وَبِهِ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ مَا لَمْ يُعْطَهُ إِلَّا نَبِيٌّ، كَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ‏:‏ اذْهَبْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ حَرَجٌ، وَقَالَ اللَّهُ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنْتَ شَهِيدٌ عَلَى قَوْمِكَ، وَقَالَ اللَّهُ ‏{‏لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ‏}‏ وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ سَلْ تُعْطَهُ، وَقَالَ اللَّهُ ‏{‏ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثًا لَمْ يُعْطَهَا إِلَّا نَبِيٌّ، كَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اذْهَبْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ حَرَجٌ، فَقَالَ اللَّهُ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنْتَ شَهِيدٌ عَلَى قَوْمِكَ، وَقَالَ اللَّهُ ‏{‏لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ‏}‏ وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ سَلَّ تُعْطَهُ، وَقَالَ اللَّهُ ‏{‏ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ‏}‏‏.‏

يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ‏{‏فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَأَدُّوُا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ بِحُدُودِهَا، وَآتُوا الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ ‏{‏وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَثِقُوا بِاللَّهِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فِي أُمُورِكُمْ ‏{‏فَنِعْمَ الْمَوْلَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ نِعْمَ الْوَلِيُّ اللَّهُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَاعْتَصَمَ بِهِ ‏{‏وَنِعْمَ النَّصِيرُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَنَعَمُ النَّاصِرُ هُوَ لَهُ عَلَى مَنْ بَغَاهُ بِسُوءٍ‏.‏